الأربعاء، 17 أغسطس 2011

مرثيــــــــــة

كتبتها...في ليلة مجنونة..كان القلب يرتدي ثياب الحداد..وفي بؤرة النفس يرتع السواد..

رحلت مواسم العزاء

وما زال القلب يكابر..بالبكاء.

ـــــــــــــــــــــــــ
يزعمون أن مواسم الحداد رحلت

وأن الشمس رفعت أكفها إلى الله ضارعة متوسلة ألا تعود السنين العجاف

وأن تنتهي أحزان السماء ..بغيث جديد..لأرض القلوب

فبئسا لما يزعمون

وبئسا لأماني الظلام بأن تشرق صباحاتها من بعد أفولك

فكل صباح بليا ضياؤك كسيف ..كسيف

...............

ترددت كثيرا في نشر نعيك ..فما زلت أحاول أن أستسيع مذاق رحيلك..

ما زلت أمني السماء بليلك..فحتى الليالي تجن جنونا..وترصد ..وترصد

لعلها تدرك أسباب انشطار الأمنياات ..من بعد رحيلك..
...................

من يدرك الآن..حجم الظلام..

سوى من كان في لياليك نجما..بقربك..

من يستطيع أن يفتديك..لترجع..وتدرك مرارة بعدك..

من بإمكانه أن يغطي الليالي..وهي تموت من البرد من غير سنائك..
.......................

من يا حبيب كان يغادر..؟

أأنت..وأنت تسافر عنا بعيدا..

أم نحن..ونحن نسافر إلينا..نخبئ أرواحنا في خبايا البكاء عليك..

أجبنا..فكل القلوب حسيرة عليك.

.......................

في كل ليلة أعلن مواسم جديدة

في كل مرة أمارس طقوسا جديدة

من بعد رحيلك فقدت يقيني..فقدت ثباتي..وجن مني نصف عقلي..

والنصف الآخر يبكي عليك.

.........................

من غدر بالآخر في ذاك الصباح ؟؟ أجبني..

ألموت ..؟ حين اختار لنا أن نعيش بليا ضيائك..

أم أنت غدرت..بأرواحنا..وحجبت عنها عنان السماء؟؟

..........................

أكنت تظن وأنت تغيب أنك انتزعتَك مني؟؟

وأني نسيتك في زحمة الناس..والكبرياء المزيف..؟

وأني ارتشفت رحيلك..وارتويت اعتيادا بدونك ..؟

فمن يا حبيبي كان يكذب عليك؟؟

أقسوة قلبي ..أم كبريائك؟؟!!!

.............................

كنت أكيدة بأنك ترجع..مع هجرة العصافير في أحلى المواسم..ترجع إلينا كأحلى النوارس..

لكنك كنت استسغت البعاد..حتى توغلت ضلوع البعاد..بدوني..

الآن جئت أعلن بكل غباء ...انهزام ثباتي..يا قرة العين..فهل كنت تعرف أني كنت أكابر؟

.....................................

نبكي عليك..وأعلم أنه يتردد عندك صوت البكاء..

نمارس أحزاننا في الخفاء..ونندم أننا كنا بعيدا وأنت تشد رحالك ..

نموت ألفا وألفا وألفا..لأننا لم نكن عند بابك..وأنا لم نصافح قلبك..

....................

لماذا النهايات تأتي عناءً.....؟

وهل كان لزاما أن ترتدي الخاتمة ثياب الحداد؟!!

........................

حتى التساؤلات...موغلة في الخذلان

المرأة ونصف الدولاب الآخر

اسندت رأسي على الجدار ...وأنا شبه مستلقية على أريكتي...تأملت السقف الحزين ...تأملت النافذة الكسيرة...والدولاب.

الدولاب !!
قمت من استلقائي ..جلست عل السرير أرقب الدولاب .. وكأني بي تذكرت شيئا....آآآه إنك هناك ...تذكرتك وعيني تنظر باب الدولاب ( نصفه)...أشياؤك التي تركتها كما تركتني...أشياؤك العزيزة في نصف الدولاب الثاني...الذي خصصته لك احتراما لخصوصياتك......
ما جدواها الآن...لماذا تظل هناك .لماذا تظل أشياؤك معي في غرفة واحدة...
ألم أقرر أن أنفضك من حياتي.وأختم عليك بالشمع الأحمر حتى تفقد وأفقد أي محاولة للرجوع؟..إذا ما جدوى أن تظل أشياؤك هناك بعد أن رحلت أنت...

فكرت طويلا..قمت من مكاني.أحسست بالاختناق ...فتحت النافذة الكسيرة..فتحتها وفردت جناحيها...هبت نسمة
الخلاص من عفن الحزن وغبار الانكسار لتجدد الهواء في صدري..
رجعت إلى قلب الغرفة..فتحت الدولاب...نصفك..وجمعت حاجياتك دفعة واحدة بين كفيّ وذراعيّ....أحببت أن أتخلص منك دفعة واحدة كما فعلت بي سابقا .... أمسكت بها جيدا كي لا يسقط منها شيء في الغرفة...مددت يدي بها خارج النافذة..وكأني بي أحمل نعشك إلى مثواه الأخير..وأنت ممدد على ذراعي وبين كفي ...ظللت مادة يدي خارج النافذة ، خارج غرفتي ,,

وفجأة..وبحركة جدا شعورية...بسطت ما بين يدي ليسقط ما بقي منك إلى الخارج...خارج عمري.

أخذت نفسا عميقا ....آآآآآآه ما أروع الخلاص .لأول مرة أحس أنني خالية منك تماما...لا أحمل منك أي متعلقات..غير بقايا غدر و مرارة ذكرى بقيت في النفس..وأبت أن تغادر.

ما زلت لا أصدق .أيمكن أن يمحا من نفسي كل ذلك الحب الذي حملته لك..وأن يتبخر بهذه الطريقة كالدخان..كالضباب الذي ينقشع مع خيوط الشمس..
نعم ما عدت أريدك ..لم يعد لقلبي حاجة لوجودك به...حتى أنني لم أعد في حاجة لأن أبقى هنا في نفس المكان...في هذه الغرفة....فما الذي يضطرني للبقاء هنا حيث كنا معا .ما الذي يضطرني أن أبقى أو أعيش مع ذكريات لا أريد لها بقاءً في نفسي.


لن أستجدي الذكريات بعد اليوم......مهما صار قلبي أجدبا فلن أستجدي أمطارك..فجفاف القلب وتشققه أفضل من الغوص في المهانة.


فتحت نصف الدولاب الآخر..وجمعت ما فيه في حقيبة الرحيل ...وبدأت المسير ...حيث أرض جديدة........وزرع جديد....وربما قلب جديد.

الثلاثاء، 16 أغسطس 2011

مجنونة ( قصة قصيرة ) لم تكتمل

كانت حياتي هادئة , ساكنة , وأيضا جافة . . هدوء الليل ، وسكون المقابر ، وجفاف أوراق الخريف الصفراء . .

نشأت وحيدة . . إلا من أب حنون عطوف . . أفنى عمره من أجلي . . ورغم ذلك سكنت الوحدة في نفسي حتى الثمالة . .
كنت متعطشة حتى الموت إلى قطرة تروي ظمئي إلى حب . .
إلى رجل يسكنني وأسكنه بعد أن وصلت إلى مشارف الأربعين . . امرأة صادية . . فقيرة من كل مظاهر الحب تواقة لملامح حبيب مضى العمر دون أن يبين له  أي حضور في حياتي . .

لم أعرف سوى أبي . . لم أتعرف رجلا غيره . . ومرت الأيام وكبرت . . وابيض الشعر بجانبه ومعه ولأجله . .

صابرة وغير صابرة . . راضية وغير راضية . . قانعة وغير قانعة . .

وجاء اليوم الذي كان النقطة الفاصلة بين حياتي الحاضرة الهادئة التائهة . . وبين مصيري الجديد الذي كان قد تخيره لي القدر من وراء الغيب . .
كان اليوم الذي اختار الله فيه أبي بجانبه ، رحل أبي . .

ذهب الرجل الوحيد في حياتي . . تركني الرجل الذي لم أعرف غيره رجلا . .
وبقيت وحيدة تماما ، إلا من ظلال تمشي معي . . ظلالي . . في بيت كبير لا يحوي سواي . . أنا . . وحدي !

والكثير من الذكريات . . والكثير من الأشواق الدفينة !

رحل المعزون بعد موت أبي وبقيت وحدي . . ضاق علي البيت رغم كبره . .
لم أشأ أن أظل وحيدة . . فكرت وتمنيت الرحيل عنه إلى حيث لا ذكرى ولا ذكريات !

ذات ليلة برد وصقيع قمت من مكاني . . وقفت قبال النافذة . . واتتني رغبة ملحة في فتحها رغم المطر والريح . .
كنت قد مللت من السكون القاتل الذي يلف الغرفة ويلف نفسي . .
فتحت النافذة . . كان المطر غزيراً . . والبرد شديدا . . لكنه كان منعشاً . . لمحت بصيص ضوء . . كان صادراً من ذلك البيت المهجور
الذي كثيراً ما سمعت عنه قصص مخيفة وأنه مسكون . .
البيت الذي لا يجرؤ أحد على السكن فيه أو الاقتراب منه ! . . سوى البواب العجوز ..وبقية الأركان خاوية مهجورة إلا من ذلك الشبح الذي تردد بين أهالي القرية أنه يسكنها. .

شبح لصاحب البيت الذي ظهر فيه بعد وفاته ليمنع أي ساكن جديد من العبث بذكرياته فيها بعد أن مات حزنا على زوجته الراحلة في ذات المنزل ! . .

انتابتني فكرة مجنونة تلك الليلة , ليلة البرد والصقيع وأنا أحدق في ذلك النور المنبعث من بيت الرجل الشبح . .

لماذا لا أسكن ذلك البيت ؟!؟ . . ألست متشوقة إلى ظل رجل في حياتي . .

فماذا يضيرني لو سكنت معه ؟!؟ . . أهجر عزلتي وأشاركه وحدته . . ألم يكن في يوم من الأيام رجلاً عاشقا ؟!؟ . . وربما كان رائعاً !! . .

ألم يعش وحيداً مثلي . . وعاد الآن ليبحث عن وليف فقده في حياته . . فلماذا لا أعيش معه ؟!؟ . . لم أخشاه ومم ؟!؟

أيمكن ذلك ؟!؟ . . أن يموت الإنسان ويعود في صورة شبح . . . أن يقرر أن يعود إلينا شفافا يرانا ولا نراه ! . . أن يظل حتى ما بعد الموت تعذبه ذكرياته ؟؟!!
وإذا كان كذلك فلماذا نخشاه ونهرب منه ؟!؟ . . وما الذي يجعل منه مصدر خوف ورعب ؟!؟ . .

ألا يمكن أن يتعرض أي منا لنفس المصير . . ألا يمكن أن أعود مثله في يوم من الأيام . . شبحا أبحث عن شريك الروح وصنو النفس الذي توارى عنى في زحمة الحياة . .
فلماذا الخوف والمصير يمكن أن يكون واحدا !

وفي لحظة تحدي حزمت حقائبي وخرجت في لحيف البرد ودققت الباب على البواب العجوز وسألته عن إيجار مسكني الجديد !!


هذا جزء من مذكرات كتبتها تلك المرأة التي قررت السكن في ذلك ( البيت المهجور ! )
أهداني إياها البواب العجوز بعد رحيلها . . أقلبها الآن بين يدي . .

تلك المرأة التي سكنت ذلك البيت وحيدة والتي ماتت فيه مجنونة !

حكاية موت الأمنيات ( قصة قصيرة ) الجزء 2

تزوجت أنا ...وهنأت ...وظلت معنا صديقة القلب والروح والفؤاد...تشاركنا سعادتنا ..وتفرح لفرحنا...وتضحك معنا وأحيانا نستدعيها لتتنزه معنا فلا تمانع؟؟؟

كنت طوال تلك الفترة أراها بشوشة ...سعيدة ضاحكة..وكنت أظنها لجهلي سعيدة بزواج صاحبتها...وسعيدة من أجلي....آهٍ..يا لجهلي وغبائي...لم أكن بغروري وحبي لمتعتي وبقائهما بجانبي أعبأ إلا بما يريحني...وكان يريحني أنني حصلت على الحبيبة وتزوجت بها...وكان يريحني أيضا بقاء صديقة القلب معي وبجانبي....لما كنت ألقاه معها من راحة الروح ...ولم أكن أرى أكثر من حدود نفسي...ونزواتي...فلم أستطع أن ألاحظ نحولها أو عذاباتها وهي تذوي شيئا فشيئا بجانبي .. ولم أكن أحمل نفسي عناء التفكير في سببه...ولم يكن يعنيني ما ألحظه في وجهها من ذبول...وما يعتريها من شرود..

ولا أنسى ذلك اليوم الذي أخبرتها زوجتي أنها حامل...ولا أنسى وجهها حينئذ وما اعتراه من تغير جاهدت في إخفائه ولكنه لم يخفى عني...نعم بدأت رويدا رويدا ألاحظ صديقة القلب وحزنها الذي تتفنن في إخفائه وراء ستار الابتسامة المفتعلة...نعم بدأت أرى وجهها الحقيقي وقلبها ومدى عمق جرحها بعد أن هدأت ثورة حبي ولهفي لزوجتي...

غابت عنا فترة..أحسست بالحنين إليها وإلى وجودها حولنا..حتى زوجتي لم تستطع أن تخفي ضيقها من غياب صديقتنا الحميمة..وذهبنا لزيارتها والاطمئنان عليها ..فماذا لقينا..وجدنا امرأة صفراء ذابلة شاحبة...بل وجدت أمامي بقايا امرأة كانت في يوم من الأيام حبيبتي دون أن أفهم معنى أن تكون امرأة مثلها حبيبتي.

جلسنا إليها في ذهول وبنا حاجة في أن نعرف سبب مرضها المفاجئ بالنسبة للناس والغير مفاجئ بالنسبة لي...ظلت رغم اصفرارها مبتسمة تحاول إخفاء مرضها وجل أحزانها...

وظللنا نتردد عليها من فترة لأخرى أنا وزوجتي ...وأحيانا زوجتي لوحدها ...وتنبؤني بأخبارها ...تغيرت أحوالي بغياب صنوة الروح والفؤاد..وعندما وضعت زوجتي وبدأ الصغير في النمو كانت كثيرا ما تأتينا لتلاعب صغيري...وأحيانا تترجى أن نتركه عندها بعض الوقت إذا ما منعها المرض من الحضور أو إذا ما رغبنا في التنزه لوحدنا..وكنا نذهب بالصغير إليها فتأخذه بين أحضانها بلهفة المشتاق المحب...وكنت أعي حينها أنها إنما تأخذ بين أحضانها شيء مني...من رائحتي...وكم كان يؤلمني ذالك الشعور....

ومرت الأيام وتتابعت وهي هي..لا تتغير ... المحبة العطوفة البشوشة...التي أصبحت متعلقة بطفلي حتى الموت....وزاد شحوبها مع الأيام ونحولها وتكسرت ملامحها ...حتى جاء اليوم الذي زاد بها المرض...وأدخلت المشفى ...أنبأتنا أمها بذلك فهرعنا إليها حيث كانت ممددة بكل استسلام لبراثن المرض والهم والأحزان...

وظللنا نتردد عليها وفي كل مرة كنت أحس بنظراتها الشاحبة المذهولة أنها تريد أن توصل إلي كلاما ولكنها عاجزة...كان إحساسي قويا ..وشبه متأكد أن لديها كلام تود قوله لي...لي أنا وحدي..

فعزمت أن أقوم بزيارتها منفردا ...وبالفعل استأذنت من عملي صباحا وذهبت إليها ...نعم ..ذهبت إليها لوحدي وكانت لوحدها في الغرفة..وهكذا شاء القدر ..نعم..شاء القدر ألا يحرمها من آخر أمنية ظلت حبيسة في نفسها من ضمن الأماني الفانية...والرجايا الحبيسة داخل جدران قلبها الطيب العفيف...

ذهبت إليها وحيدا وجلست قبالتها ...وأيضا كعادتها دائما ابتسمت رغم آلامها الذي عجز عنه الأطباء..وحاروا فيه...وظلت تنظر إلي وكأنها تريد أن تشبع نفسها وناظرها مني حيث لا رقيب ولا حسيب ..
وبعد زمان مر كأنه الدهر وقلبي يئن معها بين جنبات نفسي المتألمة ..نطقت حبيبة النفس ..نعم نطقت حبيبتي الميتة الشاحبة والعرق يتصبب على جبينها بعد أن أخرجت من الدرج المجاور لها خاتما وناولتني إياه..نطقت المريضة الممدة كالموتى أمامي وطلبت مني بكل رجاء .....................أن ألبسها الخاتم ومدت لي يدها اليسرى..ذهلت ..وقتلني الموقف حتى النخاع.....و بكيت ...نعم يا صديقي

بكيت من ألم الموقف ..وعرفت أنها تطالبني بتحقيق آخر أمانيها ...وعرفت جيدا من ابيضاض وجهها أنها في النزع الأخير وأنها باتت تصارع الموت...بل تصارع الأمنيات التي غلبتها ..



أخذت منها الخاتم بكل رفق وألبستها إياه

ابتسمت حبيبة النفس وصديقة القلب، وأعطتني مجموعة من الأوراق لم أستطع أن أعرف ما فيها ..فقد طلبت مني ألا أقرأها حتى أخرج من عندها....ونظرت إلي النظرة الأخيرة ...وماتت وهي قريرة راضية ...وتركت في فؤادي الحسرة ...والندم على جهلي بمشاعرها...

وكانت أوراقها هي عذاباتها ..وهي مشاعرها وآلامها..لم يشأ صديقي أن يطلعني عليها كما أطلعني على قصته ..ولكنه أطلعني على أسطر كانت قد كتبتها : ((يا حبيبي آه لو تعرف كم كانت تقتلني كل لحظة كنت أراك بجانبها..أو كلما أمسكت بيدها أمامي..أو كلما ضحكت معها في حضوري ..في كل لحظة من تلك اللحظات يا حبيبي يبيض خيط في قلبي..حتى شاخ قلبي .وهذا ما قتلني يا حبيبي ))


هذه هي قصة صديقي الذي( جمعنا مكان واحد بعيدا عن أهلنا لظروف العمل )...الذي حكاها لي باكيا ذبيحا ...يصارع في نفسه أشياء باتت ذكرى ...ولكنها ما زالت تعيش بين أوارقه.....

ذكريات عصفت بي ذكريات
...............شيبتني ..شيبت حتى صبايا

حكاية موت الأمنيات ( قصة قصيرة ) الجزء 1

كثيرا ما كنت أراه ممسكا بتلك الأوراق يقلبها بين بيديه قارئا تارة ومتفكرا تارة أخرى...وكثيرا ما استهواني وشدني الفضول لمعرفة سبب تعلقه بتلك الأوراق ...إنها بالطبع حكاية وقصة - كما أخبرني يوما – لكن لمن تكون ...ومن هو صاحب تلك الأوراق التي جعلت من صديقي ذلك الراهب في محراب حكاية...ما الذي جعله يهيم بهذا الحد بمجرد حبر على ورق ...وقصة نائمة على صفحات...ما سرها حكاية سلبت لبه حتى أوشكت به أن يصل لحد الولع والجنون بها .....
ظللت حائرا متفكرا من صمت صديقي طوال تلك السنون ...راغبا وبشدة سبر أغواره ونبش أوراقه...سألته مرارا من باب الفضول ومن باب الرحمة به من ذلك الكبت الذي يكاد يمزقه...وهو منكفئ في غرفته على حكاية
وجاء اليوم الذي لم أتمالك فيه نفسي من الدخول عنوة في نفسه والقرع بشدة وبإصرار على همومه ...ذلك اليوم الذي رأيت أن صديقي قد وصل لدرجة الفناء بعد أن استغرقه العيش تماما بين أوراقه...

سألته وأقسمت عليه أن يطلعني على ذلك السر الذي يحبسه بين ضلوعه..والذي يكاد يفنيه فناء والذي يكاد يحرمني من أعز الناس إلى قلبي...صديق العمر

نظر إلى بعد أن رفع وجهه الغارق في الحزن والمدفون بين كفيه مجيبا على سؤالي

( تريد أن تعرف سر الأوراق...وتشاركني ما عجزت عن إخراجه من نفسي طوال أعوامي السالفة..
سألته عن سر تلك الأوراق ملحا تارة وراجيا تارة أخرى ..فأجابني أنها ليست مجرد أوراق وحكاية...بل حياة ما زالت تنبض أمامه على جماد
حياة عاشها صديقي بكل بكل تفاصيلها في أول الشباب وبكل عنفوان تلك المرحلة...وافتقدها وحرم منها فجأة بكل قسوة الحياة وشرورها ....
قال : أحببت فتاة كنت قد تعرفت بها في إحدى المناسبات ... لم تكن مجرد فتاة ..ولم تكن امرأة عادية..كانت رائعة بكل ما عرفت من معاني الروعة..فتاة راقية حالمة تعشقها النفس وتألفها الروح
امرأة تنساب في الروح بحلو حديثها ومعشرها...ظللت معها مخلصا لها ومخلصة لي ...كنت حينها في قمة ثورة الشباب وطيشه ...ولهذا لم أكن أعي جيدا ما معنى أن يعرف الرجل منا إنسانة مثلها...وربما لم أعرف قدرها جيدا...وربما لم أزن مقدار تعلقها بي
كنت أنظر للأمر بشكل أكثر بساطة وأقل عمقا من نظرتها وأنا لا أعلم...كانت لي مجرد امرأة رائعة حينها ... ومجرد حب...ولم أكن أعلم أني كنت لها حياة ومصيرا

وجاء ذلك اليوم ....ذلك اليوم الذي رأيتها مع صديقة حميمة لها ...كانت جميلة جدا..وكنت طائشا جدا..كنت مجرد شاب...متقلب القلب ...فرغبت في التقرب إلى تلك الصديقة...

جذبتني بنظراتها وحلو حديتها...والتقيتها أكثر من مرة مع صديقتي حتى حدثت الألفة بيننا وتعلق قلبي بها ونسيت صديقة القلب...التي كانت غافلة عما يدور حولها .

غرقت في غرام فتاتي الجديدة حتى أذني...أحببتها وتعلقت بها مما أنساني فتاتي الأولى...وتجاهلت تعلقها بي..


حتى جاء اليوم الذي تخاصمنا فيه أنا وحبيبتي الجديدة ...فهرعت إلى صديقة القلب ...وبكل أنانية الرجل في وبكل قسوة الشباب ذهبت إليها أشكو لها حبي الجديد

وأبكي ..وأبث غرامي بصاحبتها ولوعتي بها...فنظرت إليّ بكل جمال العاشقة فيها ..(( وهذا ما أدركته مؤخرا )) وابتسمت ابتسامة أم شفوقة

وأخبرتني أن لا أحمل هما وأنها سوف تساعدني بكل ما أوتيت من وفاء لي...وليتني عرفت حينها أنني قتلتها ...وصلبت أرقى مشاعرها بغروري ونزقي وجهلي...


وجاءتني بعد أيام تبشرني بأنها دبرت لي لقاء معها دون أن تشعرها حتى يتسنى لي مصالحتها...بشرتني وأفرحتني ...ولكن وجهها لم يكن ليبشر بالخير ...وقد جاءتني صفراء شاحبة ..وأنا الأعمى المغرور...الذي لم يكن ليرى شيئا أبدا خارج نطاق رغباته

ومرت الأيام وأنا أعتقد أنني في قمة السعادة...وتزوجت بصاحبتي المغرم بها ...وكانت صديقة القلب أقرب الناس لنا في تلك المناسبة ...أفنت نفسها لتوفر لنا كل ما يريحنا وكانت معنا في كل التجهيزات خطوة خطوة...

وليتني كنت أدرك أيامها أو أعرف أنني بدأت في قتلها بالخطى المقتربة...وبالجرعات البطيئة.






الخميس، 28 يوليو 2011

اغتيال وطن



 
موضوع قديم أو قصة كنت قد نشرتها في منتديات مدن
ربما حملت من الأخطاء الكثير فقد كانت من مساؤئي أنني لا أنظر إلى ما أكتب ولا أعود إليه قبل أن أضغط زر النشر
وها هي بين أيديكم ... كما هي :
.......................................
 
هذه معاناة طفلة شبت في خضم الحياة وهي تزحف على هامشها

ورأت من متع الحياة وبنفسها ما بها من اشتهاءات يتيمة...
وترعرعت كنبتة عقيم..وأحزان الأطلال ..وأرض بوار
كانت طفلة ولكن لم تكن كأي طفلة...لم تشب عادية أبدا ولا تافهة جدا..
لم تكن يوما ما مثل أي من قريناتها
كن ينظرن إلى ما حولهن بعيونهن
أما هي فكانت تنظر بقلبها إلى ما حولها ومن حولها..تعيش بجسد طفلة دون السادسة


وبقلب امرأة ثلاثينية
وبحزن رجل أربعيني.....وبعين الحزن كانت تغزل أوجاعها..
وكانت بأشواق أرض عطشى مشققة إلى بكاء الغيوم..

وكانت جل عذاباتها تنصب في حنينها لكف رجل ولصدره..

هو حنينها لحضن أبيها ..
أن يكون حقيقة ولو لمرة في حياتها..
ذلك الرجل الخرافة الذي كان بالنسبة لها كطائر العنقاء أو الغول في الأساطير وفي قصص ألف ليلة وليلة..

كنت أقصى أمنية هو أن تلمسه لتعرف كيف يكون هذا الرجل..وهل سيكون من لحم ودم مثله كمثل غيره من الكائنات البشرية..!!!

هو أن يحتضنها بين أذرعه لتعرف كيف يكون طعم الأبوة ومذاق الحنان وتلك السعادة التي تراها في عين بنت الجيران وهي تجلس في حجر أبيها..وهي تحتضنه وهو يلاعبها..وصاحبتنا تكاد تموت جفافا.

كان لسان حالها ونفسها تشكو الظمأ إلى أبيها يحاكي قول الشاعر:
وأشد ما لقيت من ألم الجوى
......................................قرب الحبيب وما إليه وصول
كالعيس في البيداء يقتلها الظما
......................................والماء فوق ظهورها محمول
 
***
آآآه....ذكريـــــات عصفت بي
..................................... شيبتني شيبت حتى صبايا

وها هو العام يوشك أن ينقضي
وبقي على يوم العيد أيام ..تتمنى طفلتنا أن تمضي سراعا
حتى ترى أبيها فيه عن قرب..
تنتظر أشهرا ليأتي يوم العيد
لتلبس ثوبها الجديد ..
وتحمل في يدها حقيبة العيد بالنقود القليلة التي جمعتها
وتستعد مع قريناتها لزيارة منزل أبيها
كانت صاحباتها من بنات الجيران متلهفات مثلها لرؤية والدها
هن لأجل أن يعرفن شكل ملامح أبيها ولأنهن على علم مسبق بأنهن سيحصلن منه على غنيمة..وعيدية ثمينة..
وهي لكي تراه أكثر..عن قرب..
تعرف أنها لن تنال منه على حضن أو ربما ولا حتى ابتسامة
لكنه عزاء التافهين
الضامئين
المسغبين
ويأتي اليوم الموعود
ويسرعن الخطى إلى داره قاطعين المسافات الطويلة المرهقة..

ويدلفن من باب داره ..دار المارد الخرافي..الذي لا يُرى إلا في المناسبات..أو في أحلامها اليتيمة.
وتسرع الخطى إلى باب غرفته ليس لاستقبالها بل لاستقباله.. لتراه واقفا على ناصيتها وما إن يراهن حتى يخرج من حزامه النقود ما يوزعه على الجميع بالتساوي

حتى هي
لم يكن لميزها عن الأخريات
ويحها أو يعتقد أنها منهن
طفلة كالأخريات
أو لم يعلم أنها ظلت تعاني الجفاف طيلة عام كامل لربما تحظي منه بحضن أو بابتسامة
لو خيروها بمال الدنيا وبين إحداها منه
لارتمت في أحضانه وودعت كل متاعها الفانية
لماذا كانت تلتزم الصمت..رغم كل ما يعتمل بداخلها..لماذا لم يعلموها الكلام
لتدافع عن حقوقها لديه..لتقول له بصراخها المكتوم أنها لم تأت هذا العيد لتقبض العيدية
بل من أجل أن يحتضنها كما يفعل كل الآباء يوم العيد...
ويصيبها الانكسار
رغم استمتاعها بالدار وبمن سكن الدار
وتلج الغرفة الباردة الخالية إلا من رائحة ثيابه ومن أنفاسه بالنسبة لأشواقها الدفينة ...
وتفتح ما تحبه هناك
ثلاجته..
أول ما تذهب إليه بعد أن يكسرها غلظة استقباله لها
ثلاجته الباردة
ربما هي رمز البرود التي يكتنف مشاعره تجاهها
ربما لتبرد به نيران تأكلها لدفء أحضانه...
وتمضي الساعة وهي هناك ما تزال ..كالغريبة المغتربة
التي ينظر إليها قريناتها عند زيارتهن لدار أبيها بانبهار
وتنظر هي إليهن عند زيارتها لدارهن بكل انكسار
ربما لتمنت حينها أن يُلغى من على وجه الدنيا كل الأعياد
حتى لا يقتلها طول التمني...

آآآه....ذكريـــــات عصفت بي ذكريات
.......................شيبتني شيبت حتى صبايــــــــا
*

  ...........................
برغم شدة ضمئها إلى حنان..كانت تخاف حتى الموت من الرجال..
ربما هي أمها من زرعته في نفسها..كانت وسيلتها لحمايتها ..
في ظل غياب الأب..
أو أخيها الذي كان يخاف عليها لدرجة الوسواس..
أو ذلك الوحش الذي كان يتربص بها وهي تنتظر الباص في ذلك المنزل المهجور..

لم تكن تعلم أو ربما لا تذكر هل كان بالفعل بلون الشبح
أو كان ذلك بسبب المكان المظلم الذي كان يختبئ فيه..
كل صباح يراقبها حتى يملؤها الخوف فتبكي رعبا..
وبسبب صغر سنها آنذاك لم نكن لتدرك أنه ليس بإمكانه أن يؤذيها وتلك المسافة تفصل بينها وبينه..
كانت كل صباح تركب الحافلة وثيابها مبللة من دموعها.خوفا منه ..
وتبدأ رحلة الرعب كل صباح..

لنفس السبب ...خوفا من ظلال رجل..وراء نافذة في الطابق الثاني
في منزل مهجور...يقابل بيتهم تماما...

                                                               ................................
كل لحظة خوف اعترتها..كانت تعي أنه بسبب ظلال أبيها..وغياب دفئه عن عمرها.
كل لحظة انكسار أصابتها ..كانت بسبب انكسار الوتد وتحطم أمانيها به..
كل لحظة انحدار لمدامعها وهي تشتهي مافي يد بنت الجيران..كانت بسبب أنانية كامنة في نفس حصلت على مشتهاها وفلذة كبدها مسغبة كسيرة..
كل حزن ..كان يتربص بها..كان مبعثه توق إليه.
ولكن هيهات
وقد مضى العمر وبقيت في نفسها أمنية لم تتحقق
في أن تعانق دمية يفاجؤها بها أبيها
يخبؤها لها خلف ظهره..ويفاجؤها بها وهي تستقبله على عتبة لم يفتح لها باب أبدا .

 
                                                     ...........................
سوف تحكي طفلتنا اليوم قصتها القصيرة مع صاحب الحمار
ابن الجيران
عبد الرحمن..مرحلة مثيرة في حياتها..أبعدها عن الكثير من الأوهام.
أعجبت به لفترة ( عبدالرحمن)...كانت ما تزال طفلة لا تعرف لون الحب أو شكله
تعرف فقط أنه يفترض أن يكون هناك رجل ضمن ألوف الرجال لا بد أن يكون طيبا
أو بطلا
أو مميزا
وجديرا بالاعجاب..

ربما لأنه لم ينظر إليها في يوم من الأيام أو يكلمها افترضت فيه أنه حسن النية

وأنه شهم على غير العادة
كان خوفها من الرجال دائما ما يوجهها إلى من تستطيع أن تأمن جانبه
وربما يكون هو عبدالرحمن..فهو لم يكن مشغولا كغيره بإخافتها بل كان مشغولا بحماره.
عبد الرحمن ...بطل تلك الفترة من حياتها..
لم يكن رجلا ..بل صبيا تحت العشرين..وربما أصغر
لكنها لصغر سنها بالنسبة له كانت تراه كبيرا
وكبيرا جدا..جدا
وأيضا فارسا..ولكن لحمار بدل عن الحصان

كانت تقف في آخر الزقاق ترقبه كل ظهيرة من بعيد

وهو يركب ابناء الجيران حماره وتتخيله أنه هو الفارس المغوار الذي يقف بكل شجاعة مع هذا الكائن الغريب الذي ظهر في الحي فجأة..و الذي كانت تخاف منه..( فقد كانت المرة الأولى التي ترى فيها حمارا)
وكانت تعجب من بطولة عبدالرحمن..وتبتسم لرجولته..وتتمنى أن تحظى بشرف التقرب منه ولو لخطوات أكثر..

فهو ما يزال في نظرها الرجل الطيب الذي لا يهتم بالفتيات
ولا يخيفهن..بل مشغول بحماره.

حتى جاء اليوم الذي صار هذا الفارس العجيب فارسا عاديا كغيره من الرجال..
وفقدت نموذجا كان يحسسها بالأمان والاطمئنان..
كانت يومها في بيتهم
مع بنات الجيران..فصرخت إحداهن بصوت عالٍ
فنادى عبدالرحمن عليها هي وهو غاضب..وسألها لماذا فعلت ذلك..
بكت وأقسمت أنها ليست هي..فصرخ في وجهها ولم يصدقها
ومن يومها لم تعد تحب عبدالرحمن
ولم تره إلا بعد مرور أعوام...
                                                             

                                                              ..................................
 
كسرها عبدالرحمن
لم تبك يومها
فلو كانت على يقين أنه سوف يلاقيها بأحضانه أويسألها عمن أبكاها

أو كانت في مأمن أنه سوف يأخذ لها بحقها
لكانت جرت إلى البيت مسرعة وشكت بدلال طفلة في السادسة إلى أبيها
وتمرغت في صدره ونسيت حينها كل همومها الصغيرة
ولكنها لم تفعل كل ذلك ..بل بالأصح لم يسنح لها الزمان بفعله
بل جرت إلى أقرب زقاق..واختبأت خلف أطول جدار

ونظرت حولها تبحث عن عيون ربما ترصدت لحظة انكسارها.

                                                                ................................
الأرجوحة..ما تزال المتسلسلة متتابعة لقصة طفلة..كانت تخشى الرجال..لأن أباها كان ينسى أن يحتضنها.،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،لم تكبر طفلتنا بعد..تلك الهادئة الساكنة كسكون الأشجار في ليلة صيفية هادئة..أو كهشيم خريف هجره النسيم..
في فترة من فترات عمرها استهوتها تلك الألعاب التي كانت تصنعها لها أمها...
ألعاب تصنعها بيدها ست الحبايب..بسيطة في شكلها..ولكنها كانت أقصى متعها.
فهي لم تكن تعرفت بعد على متعة اللعب بالدمى كقريناتها..((ربما كانت ما تزال تنتظر أن يتذكر والدها أنها ما تزال طفلة..أو يدخل عليها في يوم خرافي حاملا خلف ظهره لها دمية يفاجؤها به....))
كانت تستهويها تلك الأرجوحة التي صنعتها أمها لها من جذوع الأشجار..وحبال.. وقطعة خشبة عصية

تتأرجح بسعادة غامرة عليها ..كانت تلك الأرجوحة هي أجمل لعبة حصلت عليها في سنها ذاك..ولكن كعادة الأفراح معها دائما... كانت تأتيها مبتورة وناقصة..وعوراء ترى بنصف عين..

كانت تنتظر كل يوم أن يحين وقت العصر حتى تسرع بلهفة إلى أرجوحتها..المنصوبة هناك في آخر الزقاق الذي يقع فيه دارهم..والذي لم يكن يبعد أكثر من عشرين خطوة..ولكنها قياسا إلى عمرها آنذاك.. وقدماها الصغيرتان .. ومخاوفها.. كان الطريق إليها أبعد من ذلك..وكانت إذا ما حان وقت الغروب تقفز من أرجوحتها

وتجري عائدة إلى دارها تنظر يمنة وسره..فحلول الظلام كان يعني لها أشياء كثيرة...أهمها أنه كان يمكن أن تأتيها علقة ساخنة من أخيها أو توبيخ من أمها أو مخاوف دائمة في الطريق .... تتربص بها .

....................كانت تلعب على أرجوحتها وعيناها مصوبة نحو الشمس..وكأنها ترجو المغيب أن يتمهل..أو يتحايل على الزمن ..حتى تمد من زمن لعبها..أف..أولا تعلم الشمس أنه بأفولها..تتوقف أزمانها..وأنهم سوف يجرونها من أرجوحة تطير بها إلى اعالي الفضاءات ..وتنسيها متاعب الأرض ومن عليهاإلى غرفة رطبة مظلمة معدة لكوابيسها التي ما برحتها ليلة ..والتي كانت تخرج لها كالغول من بين أجفانها ولذيذ منامها..إن صغيرتنا لم تكن تحب اللعب فحسب,,بل كانت تكره النوم ..وتكره أن يراها من حولها وهي تصرخ كل ليلة كالمجنونة..تستنجد بالهواء مما يخيفها كل ليلة..بدلا عن صدر أبيها الذي نسيها عن غفلة.
 
حان وقت المغيب...لتجري إلى دارها القابع في أول الزقاق تجر وراءها خيباتها..وتاركة على أرجوحتها فؤادها..لكنها لم تصل بالسرعة التي أملتها وقاستها من أرجوحتها إلى باب دارها,,ولا بالأمان الذي رجته برغم أن الظلام لم يكن قد حل بعد..

كان القدر قد أعد لها وجبة جديدة من الدروس القاسية التي صارت جزءا من يومياتها..



.......................
شغفها بالأرجحة لم يكن طبيعيا..حتى أنه يمكن اعتباره مملا

فما إن اقتربت من باب الدار حتى دارت بوجهها وقلبها إلى لعبتها

وتمنت لو واتتها الشجاعة التي تستطيع بها أن تعود أدراجها تعاود التحليق على أرجوحتها..

نعم..التحليق والانفلات من كبت مزمن وسجن داخلي سكنها حتى العجز..

وعادت صغيرتنا تجر مخاوفها الممتزحة بعناد وإصرار داخلي لا شعوري... تسرق من الزمن هنيهات

لحظات إضافية من المتعة متغافلة عمدا عن أي نتيجة يمكن أن تترتب عليها ..

جلست على أرجوحتها والخوف يملأ قلبها من أمها والرهبة من موقف أخيها إن علم بغيابها والشمس غابت

لكنها لم تكن تدري أن الليل يمكن أن يحيك ضدها مؤامرة أكبر من كل تلك المخاوف
فقد شعرت فجأة بيد خفية تمتد إليها من الخلف..تحيط بها...ثم,,تسحبها..
تجرها من دنياها لتحط بها على غمامة سوداء من الرعب
لقد كان رجلا...نعم..رجل ضمن ألوف الرجال الذين كانت تخشاهم حتى الموت
صرخت بذات العجز ..والكبت ..والمسكنة التي كانت تسكنها..
وانفلتت من بين براثته بمرونة أرنب مذعور لتجري بلا قلب إلى دارها وهي شبه ميتة..عاجزة عن النطق لمدة أسبوع كامل..
والحمى تصارع جسدها النحيل ..والخيبة تسيل من عيني أمها مدامع وهي تراها كليلة واهية العزيمة..
مسدودة الشهية حتى من النظر إلى من حولها ..
أأه..من غياب الأب..أه من اليتم..لعصفور لم يتعلم كيفية التحليق بعد.

**********
حتى الصغار يعرفون ويتألمون
لكنه لم يكن ليدرك مرارة فهمها
وجفاف وجهها من غيث صدره
وضياعها في أزقة اليتم وحدها
لقد كانت وهي طفلة تحلم بأن يقبل عليها أو أن يمسك يدها أو أن يضمها كالحبيب إلى صدره
وتظل تنزف رغباتها وحيدة وتلعق أمنياتها كهرة عطشى بائسة
و يمضى العمر بها دون أن يغسل الجرح من ذاكرتها أو يهديها طوق الأمان لتخبطاتها البريئة
جعلها تنتظر خمس وثلاثون عاما لتعرف مذاق أحضانه ودفء أحضانه
ومرارة احتضانه وهو ممدد على فراش المرض ليس بإمكانه أن يلف ذراعيه حول جسدها
أو أن يعتصر اشتياقها ... وأن يقتلع بؤسا مغروسا كالطود في ذاكرتها

بعد خمس وثلاثون من العمر احتضنته واغتصبت منه حق طفولتها رغما عن إرادته ووعيه

وربما لم يشعر بها ... أو ربما شعر وآلمه أنها تأخرت كثيرا لكي تفعل أو أن يفعل هو
احتضنته في خلسة من الأعين وفي خلسة من ضميره ومن .... صبرها .
 

استفهامات 8 ( عزاء )

سألته : ما الفرق بين الغياب والإياب ؟

قال : الإياب حياة والغياب موت



فأقمت مراسم العزاء وأهديته كفنا





استفهامات 7 ( صمت )

سألته :

ما الحكمة من الصمت ؟

أجاب : فاقد الشيء لا يعطيه ..

ونكّس رأسه

الأربعاء، 27 يوليو 2011

استفهامات 6 ( قلب للبيع )

سألته :
لماذا الكواكب لا تموت ؟

أجاب :
لأنها لا تعيش على سطحها القلوب .. ومن لم يذق العشق صعب أن يموت .


فوضعت قلبي في صرةٍ وانتظرت العابرينَ وأعلنتُ المزاد


الثلاثاء، 26 يوليو 2011

استفهامات 5 ( برد )

قلت له :

أشعر بالبرد

فأطلق رصاصة في عين الشمس





وازداد صقيعي



استفهامات 4 ( زجاج )

سألني :
لا تشبهين أي من النساء .. وليس كمثلك امرأة

أجبته :

لأن قلبي من زجاج




فرقص على قلبي بكعب غروره

ظن أن ................ سيكسرني



استفهامات 3 ( مطر )

سألته :

ما الفرق بين السحب والغيم

قال لي :

السحب نستنبط منه الحب .. والغيم نقتبس منه الغم


فقلت له :

بيد أنه كلاهما مطر .


استفهامات 2

سألته يوما :

أين تذهب النار عندما تنطفئ ؟

فتبسّم ناعيا عقله .



ربما الآن هو يعرف الإجابة .



استفهامات 1

سألته :
لماذا تسمح الصحراء للجمال بعبورها بسلام بينما لا تسمح لغيرها بفعل ذلك ؟

أجاب :لأن كل منهما فهم طبيعة الآخر وأمّن الآخر ..ولأن بين روحيهما تناغم


قلت : عرفت الآن لماذا لن يسعني السماح لك بعبوري من جديد



قليلة أنـــا ..والظلمات كثيرة .




مدخل /


لا تبتئسوا إن وجدتموها من أسوأ ما كتبت

فأحيانا الحيرة تفتعل الخطايا فينا

اعتبروها خطيئتي الصغرى



كنت أحاول ولوج عنان الغربة

أمد يدي وأنتزعه من خلايا تكاثرت عليه ...تدعى تربة

أعيده ... ما دامت الحكايا في جعبتي لم يكن قد انتهى أوانها بعد

وما زالت حتى التو صالحة لتطوف عليها روحه .


أليس من الظلم أن ننحر الحكايا قبل أن تتم ألفها ...بعدما يرحلون !!!!!



يا بشر ..متعبة

وتنتحر كل مساء على نافذتي حمامة صبر أكل السهر من كتفها حتة وأردى جناحيها



حاولت أن أتمم الليل بولوج خواتيم الظلمة ودحرجة كريات صغيرة أفتعل بها صوت الفرح

لأنتهي بـــ شواهد قفرة لأرواح منفرة



أوتاد أنغرس في ذاتي لا أرض تأويني ولا سموات تبشرني

ولا عواصف ترهبني ...فأراضي منفية عني ..طوتها أقدار مباغتة

لا تؤمن بهوس البشارة لأرض أصاب عينها الرمد,,, فاعتمت


قليلة أنا غدوت ..فقد نسيت ثلث أشيائي لديك

نسيت خاتمي وصهيل أحلامي ..

لكنني ما زلت كل ليلة أعد وسادتي

وأتكئ على العمر المضمحل خلف ظهري

وراحتي المؤودة على

كتف المساء


متعبة أنا ..وما زلت ألقم روحي أحجار الصبر .

مكتنز جسدي بالهم




لكل من يدخل إلى قلبي هنا


ربما يخيب ظنك ..فـ / كعادتي في كثير من الأحيان ليس لدي من أكتبه


أنا هنا فقط لأقيس مساحة الفراغ الذي يتمطط داخلي فيوسع من شرايين حزني


يؤلمني يا رفاقي


فــ قررت أن أسكب بعضا منه تحت أعتاب أرواحكم فأريحني أو تريحوني




ليس أقسى أن تستفيق في صباح كنت قد ظننته أجمل صباحات العمر أو أعددت فيه


فنجانا دافئا شهيا تعد نفسك فيه لترتشف ترياق الحياة


ثم في لمحة غدر تجدهم / فنجانك وصباحك وقلبك وكل كل شيء حولك فارغا


سوى من عينين تشكوان أكوام ملح أفقد رؤاك حقيقة لون أحلامك الخذلى بك ومنك




مكتنز جسدي بالهم ..وفارع طولي بالانتظار الغير مجدي ..ويافعة بالصبر المخزي ..


وعنفوان حلمي هوى يا رفاقي هوى .. وأي حلم !! هي عادة أحلامي _ فارغة _


لم أحلم بعاشق ولا بحبيب يغفو كل ليلة تحت شرفتي ..ولا بقلب يحمل مقاس قلبي


فقد كنت وصلت باكرا لقناعة أن قلبي مطاطي لا يأخذ شكلا ولا حلما ولا أماني




فقط حلمت دوما أن يحملني عملاق ويضعني بتروًّ فوق ظهر غيمة


لكن أصحاب السعادة والأحلام أنهوا خدمات الغيوم فتبددت من منامي





كنت هنا بعد عمر من الصمت .. نطقت حتى تمنيت أن خُلقت خرساء


وحلمت حتى تمنيت لو استقال الليل من عمري




كنت هنا وربما أعود أستجدي سمركم معي

والبقيـــة / لا تأت




النسيان يثكل القلب لكنه يزكي العقل

وأدت ذاكرتي البالية منهم تحت ثرىَ ملوث برماد رحيلهم/ هي لحظة احتراقهم

ربما أراد ربي أن يبدلني خيرا منهم زكاة وأيقن منهم بعدله وأقرب منهم رُحما

ومن لا يخشون إلا وجهه






زغردت سماوات الروح احتفالا بمهرجان حرائقهم في داخلي

وهنأتني على خلاصي

ونفخت في قلبي ويقيني .. فوهبتني فرحا جميلا ...( وإيمانا ) بأنه لا شيء من بعدهم سوف يفقد مذاقه
كانت أمي تحكي لي وهي تحكي قصة يوسف عليه السلام
أن المظلوم يضاعف الله له الحواس فيشعر بما لا يشعرون
ويستمتع بما لا يستمتعون
ويبصر ما لا يبصرون

وأن يوسف كان من غياهب الجب يرى نور الله
ويشرب ويأكل من رزق الله



ولهذا كان لزاما أن ألج غياهب الألم لتقوى بصيرتي وأهتدي طريقي




وأطفأني الله منهم ................ بيقيني
وجعله بردا وسلاما على قلبي


لمن جرّب لذة النسيان فقط
لمن آمن بأن النسيان عنفوان
لمن ترك / أو وجد على مرفأ النسيان قارب الأمان


والبقية فلتزم الحياد .......... ولا تأت /ي