الأحد، 12 أغسطس 2012

قال لي العراف

قال لي العرّاف قبل الرحيل (( ألا تخافي ولا تحزني )) فلم أخف ولم أحزن .. وتحققت بشارته من بين أعناق النجوم .علمني كيف أغرس أوتادي بعد أن هيّأ أرضي واستدعى قوافل الغيوم .. شد من أزري .. ضحك معي ..ضبطته يبكي حين بكيت .. قهقهنا في غياهب الليالي سويا حتى دمعت منا العيون .. صرخ في وجهي حين كنت على مشارف الانهزام .. ساندني حتى استقام عود يقيني .. ورفعني من أرض الخيبات حتى استويت وبعد أن صافحني يمين وفائه رحل كالأفراح التي رافقته حين اندست في جيب معطفه ( اليمين ) ... في سكون وصمت غاب بعد أن علمني كيف أصير من بعده شجرة معقودة الجذع لا تهرم ولا تهزها الريح ..

خبّأ كل ثياب الحداد .. وخضّب يديّ بالخضاب وغاب ....

هاجر كما تهاجر النوارس وخلّف الشطآن تنعى الموت المخبّأ في تعب الشراع .. حتى جاع البحر من بعده وسلم المد وسلم الجزر وسلّم الروح .

قال العرّاف كل ما كان ينبغي أن يقال إلا حكاية الموت المعتق في مسامات جبينه وفي خطوط كفيه وفي بشارة الصبح الكئيب ....

سوف أخبركم كثيرا عمن كان في صباحات الخوف حبيبي وفي مساءات الحنين حبيبي وفي ليالي الغياب الطويل حبيبي وفي شرود الشوق حبيبي ..

احتجته في مسائي هذا ..لكن النار سلمت روحها للريح والرياح لا تعود أدراجها وإن فعلت تعود خالية الوفاض مما سلبته ...

حين يفيض القلب به .. حين تمتلئ المآقي .. وتستنجد الروح بالأركان : أين المفر .... ألجأ إلى البحر في ليلة الغياب ليس لها تواريخ ليالي الغياب فحزروا ما شئتم   فمن بعد عينيه صار العمر .. كل العمر طويل الغياب .. وكل المساءات غياب وكل صباحات الاشتياق غياب حتى البحر صار يزفر رائحة الموت وودناءة الغياب . فلماذا نبقى حين يغيبون لماذا لا يكون بوسعنا أن نتحول متاعا ضمن أمتعة الموت ... فنرحل معهم ونرحل ونمعن في الرحيل ؟؟؟ ....

قال لي العرّاف إن كنت أحببتني .. فتذكري لا تغيبي كنورسي الرحّال ولا تعزفي على ظهر الخيبات معزوفة الحنين.. ولا ترحلي على صدر الريح الراحل ، فالأعاصير لا تعبأ بفجيعة الأمكنة   .. الرياح ليس لها قلب .. فلن تشعر بأحزان أمك إذ تغيبين .. ولا بالفقد الموغل في صدر أبيك إذ ترحلين

علمني العرّاف أن الصّبر خلاص وأن الحنين موت .... عاهدني ألا أعقد الشوق مع جدائل شعري الطويل.. وأن أسدل شعري لأبعثر الحنين إذا ما كبلني الحنين وحين نكرت عهودي وغلبتني اشتياقاتي قصصت شعري الطويل .....

أنبأني العرّاف أن النوم سلطــــــان. فلا تتخذي السهر خدينا .. ونامي .. حتى لا يغافلك شحوب الصحو ونمت طويلا وطويلا وهجرت الليل .. سمعت كلام العرّاف.. وأمّنت ظلام الليل ....... وفي ليلة سوداء صحوت .. ثكلاء القلب أبحث عن عرّاف الروح أنبأني ظل الصبح.......... أن العرّاف دخل بطوع إرادته مملكة السلطــــان ، فغيّبه عن عيني .....السلطان ومات الليل .....

أنبأني العرّاف أن الحكايا الجميلة مغزولة بخيوط من وهن ، وأن ليالي الحب الطويلة تتقصف أطرافها بسرعة كبيرة ،، ولكن يا حبيبتي ( لا تخافي ولا تحزني ) فأصل العمر حكاية طويلة .. وكل العمر يا حبيبتي وهن لكنه غاب قبل أن يدركهه الوهن ولم يمهل العنكبوت بناء بيته وغافل الأفراح في عز دارها .. وقص أطراف الحكاية . ....

قال لي العرّاف لا تستسلمي لذهول الغدر ، ولا تقنطني .. فالوفاء خلف بابك المسدود في وجه الريح .. فأشرعي الأبواب ليدخل الوفاء بثوبه الطويل ، لا تخشي ما يأتي به الإعصار و الريح فإن كان السكون يسبق العاصفة ،،، فبعد العواصف يزهر الربيع ....

قال لي العرّاف إن غيبتني أمواج العمر ورحلت على أجنحة النوارس فلا تجلسي على الشاطئ الخالي لا تجالسي البحر حبيبتي من بعدي ، حتى لا يضنيك الفراق إذا ما لمحت نورسا يبحث في أمواجه عن عيني ,,,,, لا تغتمي إذا ما رأيت نورسي يسافر مع أمواجه يبكيني ،، لا تصاحبي البحر حبيبتي من غير أن تصحبيني ، فالبحر من بعد عينيّ ضرير ... أخشى أن تضيعي في غبّته فرحيلي عنك يا حبيبتي يكفيني ....

قال لي العراف ( بعد السّقم ) يا حبيبتي .. حبيبتي افهميني . إنني راحل بعد برهة من الحزن فلا تبكيني ،

خبئي ملابس الحداد .. خبئي كل ما يرمز للسواد خبئي عن عينيك يا حبيبتي عيوني .

حبيبة العمر السقيم لا تنظري أشيائي إذا ما اعتلت روحي غيوم منيتي خبئيني عنك يا حبيبتي .. خبئي أشيائي عن عينيك ...لا تعذبيني .. خبئي عنك ملابسي .. أمشاطي .. و عطوري وإذا ما قتلك الاشتياق يوما يا حبيبتي .. احضني وسادتي وابكي قليلا ... ثم نامي ... وإذا ما خانك الليل ولم ينم عن حزنك .. افتحي الأبواب والنوافذ وفي ليلة الخميس بعثريني .....


العرّاف رحل من بعد عينيه غاب سواد الليل وسرق من أسرّتنا الهجوع النهار من عمري استقال.. والأزرق من بحري استقال وصار البحر أبيض من نهار صار دنيتي حفنة رمل وأكوام رماد العرّاف رحل أخذ معه كل نوارسي وغطى البحر أكوام الجليد والشاطئ المهجور صار بلا روح ...... من الوجد سقيم العرّاف رحل وخبّأ البحر من بعد عينيه أرزاق الطيور فهاجرت من بعده .. كل الطيور وصار البحر خاوي يندب العرش الحزين من بعد نوارسه ... بات الشط مكتئباً حزين ....